بقلم : سيدمحمد الياسري
قرأتُ قبل سبع وعشرين سنة أي في عام(١٩٩٠)قصة لازالت عالقة في ذهني ، نقلها الكاتب اللبناني عبدالله مشنوق ، في كتابه (( ملاعق من الفضة)) عن الكاتب الفرنسي فرنسوا أنطوال ، يتحدث فيها عن الشرق ، وتحديدا عن الشاه في ايران ، الذي اخذه العجب في موت والده ، ليس من الموت ، بل من الناس ، الحاشية والامراء والوزراء وما لمَّ لمهم من تجار ومتنفذين ، انهم قد انحنوا اليه ، وباركوا له الملك والحكم ، ووالده لازال لم يدفن بعد ، اخذته الرجفة ، وساقه العجب للغضب ، فصاح بين وزراءه وطلب منهم كل المؤرخين ، فاعتقدوا انه يريد ان يؤرخ منصبه وحفلته او مدفن ابيه ، لكن فوجِئوا حين طالب المؤرخين ان يكتبوا له عن اجداده كل شيء ، بمعنى كل شيء ضحكاتهم ، بكائهم اكلهم شربهم … الخ ، فاحجموا المؤرخين الا مؤرخاً ،شاب امرد ، لطيف ، طري ، لم يخط الشعر في وجه بعد،فقد جاء مع احد المؤرخين، فقال : انا يا مولاي وانحنى للشاه… لم يقتنع به لصغر سنه ، لكن احجام المؤرخين قد دفعه للقبول به .. فطلب من الشاه ان يمهله سبع سنوات فاعطاه المهلة التي ارادها ، وبعد السنين ، جاء المؤرخ ومعه جمل يحمل كتاباً ضخما ، وقال للشاه: هذا هو تاريخ اباؤك ؟ فتعجب الشاه وقال : ليس لي وقتا اقرأ اختصره الى اقل من هذا الحجم ، فطلب المؤرخ سبع سنوات ، ووافق وجاء المؤرخ بعد تلك المهلة ، بكتاب واحد يحمله بغلاً ! وعاد الشاه فقال: اختصرليس لي وقت أقرأ هذا الكتاب!؟ فطلب سبع سنوات ! وانتهت المهلة وجاء المؤرخ وبيده كتاب ضخم فوجد الشاه على فراش الموت ، ودخل عليه فضحك الشاه وقال من اين الوقت وانا احتضر ، اختصر لي !؟ وهنا اختصر المؤرخ الكتاب بثلاث كلمات :
ولدوا… فتعذبوا… فماتوا
قد تستغرب ماعلاقة هذه الساحة ( الفلكة – الدوار ، الاستدارة ) بالقصة ، التي كما مبين عليها انها ساحة الشهداء ، في قضاء الشطرة، التي زينت جميع شوارعها بصور الشهداء واكثرهم لم يبصروا من الحياة شيئً ، لانهم بعمر الورد ، واعطوا اثمن واغلى شيء ، ربيع حياتهم ، ومن كبروهم اعطوا مع ثمن ارواحهم ثمنا آخر فقد جعلوا اولادهم ايتاما ، لم يجد الجيل اي رمزٍ يشير الى اسمهم وعملهم البطولي ، الذي قدموا فيه كي ينعم الجميع بالامان والسلامة، ينعموا الساسة وسراق المجد ، بتضحيتهم ، كي يأتي يوما ويكتب المؤرخون عنهم ، انهم من بنوا المدينة ، وضحوا وكانوا قادة سياسين مضحين ، او كما يرددوا نحن جسرا يعبر عليه الاخرون ، وهم من جعلوا الناس جسرا كي يترفهوا بما يحتالون، هكذا هي الحياة في الاوطان فدائما الحضارة تبنى على اكتاف المخلصين والوطن ينهض بابناءه المضحين ، لكن في الشرق ، وخاصة العرب ، الدول الوحيدة عبر تاريخها تنسى ابناءها المضحين وتمجد بالكذابين ، ليس العراق وحده ، بل يشاطرها الدول العربية منذ القدم ، فلم نجد اسم اي عامل مات تحت احجار الاهرامات ، او جندي قتل في معركة لدفاع عن ارضه، لم يصل لنا غير رمسيس ونبوخذنصر وارنمو …ووو، حتى في الروايات في عصرنا الحالي عندما يريد ان يكتب الروائي عن بطل يختاره بعيدا عن الابطال الذين يعرفهم ، حتى التمثيل في المسرح كتراجيديا ، او على شاشة التلفزيون لم يذكروا البسطاء الا في المزحة والضحكة والاستهزاء ، وكأنما اضافوا للفقر خطا ثاني وللحرمان وجعا آخر ، لا احد مع البسطاء الذين هم من بنوا الوطن وكتبوا تاريخه بالدم ، وبنوا حضارته على اكتافهم ، هكذا كانوا المتنفذين والمسؤولين عندما تركوا هذه الساحة في قضاء الشطرة، محافظة ذي قار ، العراق ، تركوا الساحة شاهدا، لساحة قد خصصت ان يبنى بها رمزا للشهداء او تذكارا لبطولتهم اطلقوا عليها ( ساحة الشهداء) كان من المفترض ان يشمر المسؤولين في قضاء الشطرة عن سواعدهم ، على اقل تقدير ، في وقت كان الاهمال في كل الخدمات ، واقل شيء عليهم الاهتمام به وفاء هي هذه الساحة لانها تكرمت باعظم اسم وليس يتركوها ساحة فارغة وفيها قطعة من ( التنك) او ( البليت) وقد اصابها الصدأ ونخرها الفساد ، لكنهم تركوا تلك الساحة شاهدا حيا على الفساد والاستهتار بدماء الشهداء ومن دون خجل ، يكتبوا قطعة – والله العالم – كم سعرها ، قد تلفها الصدأ وانحلها الحزن بكاءا على الشهداء ، وهي تروي حكاية مهند وعلي وكاظم ويوسف واحمد و… حكاية الضحكة والسمر كان في شوراع الشطرة وازقتها ، وتروي حكاية تلبية نداء الوطن والتضحية وهي قد تكون شاهدا حيا أيضا لهؤلاء المسؤولين وهي تحكي الفساد وترويه ، وتكون شاهدا فذا على ان الناس لاتهتم ، وشاهدا خالدا يروي على استهزاء القادة والمتنفذين وشاهدا يبصر فيه الدم ان الشهيد ضحى من اجل هذا التراب ، فحتى وان ارادوا بفكرهم المبني على الحيل والخداع والسرقة والفساد ، دل الوجود على الموجود ان الشهيد قدم حياته لهذا التراب الذي يمر يوميا حوله الآلاف ولم يلتفتوا لرخصه، فانه اغلى شيء عندهم ولولاه ماعاش هؤلاء..
١- كانت اموال دعاية لمرشح للبرلمان او المحافظة تكفي ان تضع نصبا تذكاريا يكتب فيه اسماء الشهداء من نور..
٢- كانت اموال قطعة ارض تأجرها البلدية او كشكا صغيرا تبني تمثالا يزين قضاء الشطرة ويظهر وسام الشهادة
٣- كانت اموال صبغ رصيف لم يكتب له النجاح ان ينصف ام الشهيد وهي تحني تلك الساحة بدمعتها وتزرع فيها ان فضل ابنها لم تنساه الناس
٤- كان أجار كراج او قطعة او ضريبة التي تملأ جيوب الفاسدين كافلة ان تبني صرحا حضاريا لدماء ابناء الشطرة
٥….
٦….. مالا نهاية من الاموال التي تسرب للفاسدين
متى يأت من يحتضن الشطرة وذي قار كي يراها بعيون ابناءها وليس بعين الفساد والانا …
متى من يأتي للشطرة ويكتب فيها قد تنفست منك بفضل هؤلاء الشهداء الذين ما سبقهم بالقرن شهداء منذ ثورة العشرين
ستبقى ايها الشهيد ذاكرة التراب ، وسيحكي عنك النهر والشجر والطير والغيث
ويظل من يسرق بسمتك من اجل الوطن تاريخ مبهم ،وان زينه بخداعه وكذبه ، يظل يبحث عن مؤرخٍ يذكر له تاريخه المخجل انه تخلف عن الدفاع ، وبنى قصرا ، وارسل ولده للدراسة ، لكنه سيظل بثلاث كلمات وقد لا تذكر حتى الكلمات الثالثة :
ولدوا… فتعذبوا… فماتوا…
قرأتُ قبل سبع وعشرين سنة أي في عام(١٩٩٠)قصة لازالت عالقة في ذهني ، نقلها الكاتب اللبناني عبدالله مشنوق ، في كتابه (( ملاعق من الفضة)) عن الكاتب الفرنسي فرنسوا أنطوال ، يتحدث فيها عن الشرق ، وتحديدا عن الشاه في ايران ، الذي اخذه العجب في موت والده ، ليس من الموت ، بل من الناس ، الحاشية والامراء والوزراء وما لمَّ لمهم من تجار ومتنفذين ، انهم قد انحنوا اليه ، وباركوا له الملك والحكم ، ووالده لازال لم يدفن بعد ، اخذته الرجفة ، وساقه العجب للغضب ، فصاح بين وزراءه وطلب منهم كل المؤرخين ، فاعتقدوا انه يريد ان يؤرخ منصبه وحفلته او مدفن ابيه ، لكن فوجِئوا حين طالب المؤرخين ان يكتبوا له عن اجداده كل شيء ، بمعنى كل شيء ضحكاتهم ، بكائهم اكلهم شربهم … الخ ، فاحجموا المؤرخين الا مؤرخاً ،شاب امرد ، لطيف ، طري ، لم يخط الشعر في وجه بعد،فقد جاء مع احد المؤرخين، فقال : انا يا مولاي وانحنى للشاه… لم يقتنع به لصغر سنه ، لكن احجام المؤرخين قد دفعه للقبول به .. فطلب من الشاه ان يمهله سبع سنوات فاعطاه المهلة التي ارادها ، وبعد السنين ، جاء المؤرخ ومعه جمل يحمل كتاباً ضخما ، وقال للشاه: هذا هو تاريخ اباؤك ؟ فتعجب الشاه وقال : ليس لي وقتا اقرأ اختصره الى اقل من هذا الحجم ، فطلب المؤرخ سبع سنوات ، ووافق وجاء المؤرخ بعد تلك المهلة ، بكتاب واحد يحمله بغلاً ! وعاد الشاه فقال: اختصرليس لي وقت أقرأ هذا الكتاب!؟ فطلب سبع سنوات ! وانتهت المهلة وجاء المؤرخ وبيده كتاب ضخم فوجد الشاه على فراش الموت ، ودخل عليه فضحك الشاه وقال من اين الوقت وانا احتضر ، اختصر لي !؟ وهنا اختصر المؤرخ الكتاب بثلاث كلمات :
ولدوا… فتعذبوا… فماتوا
قد تستغرب ماعلاقة هذه الساحة ( الفلكة – الدوار ، الاستدارة ) بالقصة ، التي كما مبين عليها انها ساحة الشهداء ، في قضاء الشطرة، التي زينت جميع شوارعها بصور الشهداء واكثرهم لم يبصروا من الحياة شيئً ، لانهم بعمر الورد ، واعطوا اثمن واغلى شيء ، ربيع حياتهم ، ومن كبروهم اعطوا مع ثمن ارواحهم ثمنا آخر فقد جعلوا اولادهم ايتاما ، لم يجد الجيل اي رمزٍ يشير الى اسمهم وعملهم البطولي ، الذي قدموا فيه كي ينعم الجميع بالامان والسلامة، ينعموا الساسة وسراق المجد ، بتضحيتهم ، كي يأتي يوما ويكتب المؤرخون عنهم ، انهم من بنوا المدينة ، وضحوا وكانوا قادة سياسين مضحين ، او كما يرددوا نحن جسرا يعبر عليه الاخرون ، وهم من جعلوا الناس جسرا كي يترفهوا بما يحتالون، هكذا هي الحياة في الاوطان فدائما الحضارة تبنى على اكتاف المخلصين والوطن ينهض بابناءه المضحين ، لكن في الشرق ، وخاصة العرب ، الدول الوحيدة عبر تاريخها تنسى ابناءها المضحين وتمجد بالكذابين ، ليس العراق وحده ، بل يشاطرها الدول العربية منذ القدم ، فلم نجد اسم اي عامل مات تحت احجار الاهرامات ، او جندي قتل في معركة لدفاع عن ارضه، لم يصل لنا غير رمسيس ونبوخذنصر وارنمو …ووو، حتى في الروايات في عصرنا الحالي عندما يريد ان يكتب الروائي عن بطل يختاره بعيدا عن الابطال الذين يعرفهم ، حتى التمثيل في المسرح كتراجيديا ، او على شاشة التلفزيون لم يذكروا البسطاء الا في المزحة والضحكة والاستهزاء ، وكأنما اضافوا للفقر خطا ثاني وللحرمان وجعا آخر ، لا احد مع البسطاء الذين هم من بنوا الوطن وكتبوا تاريخه بالدم ، وبنوا حضارته على اكتافهم ، هكذا كانوا المتنفذين والمسؤولين عندما تركوا هذه الساحة في قضاء الشطرة، محافظة ذي قار ، العراق ، تركوا الساحة شاهدا، لساحة قد خصصت ان يبنى بها رمزا للشهداء او تذكارا لبطولتهم اطلقوا عليها ( ساحة الشهداء) كان من المفترض ان يشمر المسؤولين في قضاء الشطرة عن سواعدهم ، على اقل تقدير ، في وقت كان الاهمال في كل الخدمات ، واقل شيء عليهم الاهتمام به وفاء هي هذه الساحة لانها تكرمت باعظم اسم وليس يتركوها ساحة فارغة وفيها قطعة من ( التنك) او ( البليت) وقد اصابها الصدأ ونخرها الفساد ، لكنهم تركوا تلك الساحة شاهدا حيا على الفساد والاستهتار بدماء الشهداء ومن دون خجل ، يكتبوا قطعة – والله العالم – كم سعرها ، قد تلفها الصدأ وانحلها الحزن بكاءا على الشهداء ، وهي تروي حكاية مهند وعلي وكاظم ويوسف واحمد و… حكاية الضحكة والسمر كان في شوراع الشطرة وازقتها ، وتروي حكاية تلبية نداء الوطن والتضحية وهي قد تكون شاهدا حيا أيضا لهؤلاء المسؤولين وهي تحكي الفساد وترويه ، وتكون شاهدا فذا على ان الناس لاتهتم ، وشاهدا خالدا يروي على استهزاء القادة والمتنفذين وشاهدا يبصر فيه الدم ان الشهيد ضحى من اجل هذا التراب ، فحتى وان ارادوا بفكرهم المبني على الحيل والخداع والسرقة والفساد ، دل الوجود على الموجود ان الشهيد قدم حياته لهذا التراب الذي يمر يوميا حوله الآلاف ولم يلتفتوا لرخصه، فانه اغلى شيء عندهم ولولاه ماعاش هؤلاء..
١- كانت اموال دعاية لمرشح للبرلمان او المحافظة تكفي ان تضع نصبا تذكاريا يكتب فيه اسماء الشهداء من نور..
٢- كانت اموال قطعة ارض تأجرها البلدية او كشكا صغيرا تبني تمثالا يزين قضاء الشطرة ويظهر وسام الشهادة
٣- كانت اموال صبغ رصيف لم يكتب له النجاح ان ينصف ام الشهيد وهي تحني تلك الساحة بدمعتها وتزرع فيها ان فضل ابنها لم تنساه الناس
٤- كان أجار كراج او قطعة او ضريبة التي تملأ جيوب الفاسدين كافلة ان تبني صرحا حضاريا لدماء ابناء الشطرة
٥….
٦….. مالا نهاية من الاموال التي تسرب للفاسدين
متى يأت من يحتضن الشطرة وذي قار كي يراها بعيون ابناءها وليس بعين الفساد والانا …
متى من يأتي للشطرة ويكتب فيها قد تنفست منك بفضل هؤلاء الشهداء الذين ما سبقهم بالقرن شهداء منذ ثورة العشرين
ستبقى ايها الشهيد ذاكرة التراب ، وسيحكي عنك النهر والشجر والطير والغيث
ويظل من يسرق بسمتك من اجل الوطن تاريخ مبهم ،وان زينه بخداعه وكذبه ، يظل يبحث عن مؤرخٍ يذكر له تاريخه المخجل انه تخلف عن الدفاع ، وبنى قصرا ، وارسل ولده للدراسة ، لكنه سيظل بثلاث كلمات وقد لا تذكر حتى الكلمات الثالثة :
ولدوا… فتعذبوا… فماتوا…